الفرق والمعاودة

$ 15

"يبدو لنا أن تاريخ الفلسفة يجب أن يلعب دوراً أشبه ما يكون بالدور الذي يلعبه التلصيق في لوحة، إن تاريخ الفلسفة هو إعادة إنتاج الفلسفة ذاتها". هذا التأكيد الذي يجده القارئ في الصفحات الأولى من هذا الكتاب "الفرق والمعاودة" بضعه رأساً في صلب التعاطي الدلوزي مع دلالات الزمن والتاريخ والإبداع، ويقطع الطريق على الذين يؤاخذون دلوز إما على منحاه التلفيقي الذي همّه الإكتفاء بالتعليق؛ وإما على نهجه التعسفي الذي يجبر الفلاسفة الذين درسهم على أن يكونوا دولوزيين. فالذين يفهمون التاريخ بصفته تتابعاً خطياً ويطبقون ذلك على الفلسفة وتاريخها، يخطئون الفلسفة والتاريخ معاً، وذلك لأن "الفلسفة ذاتها لا تُخْتزل في تاريخها لأنها لا تكفّ عن الإنفصال عنه لتبدع مفاهيم جديدة" ولأن "تاريخها ليس لها نفس وتيرة تاريخ الناس"، فمن حيث هي إبداع لمفاهيم جديدة، تمتد الفلسفة جذمورياً أو أرموليا (Rhizomiquement) حيث في كل عقدة ثمة تنبُّت أو نجم، ليس هو مواصلة أو تطور أو تجاوز أو إلغاء، بل هو تصيّر وإنحراف وتفضية تفتح جميعها "خطوطاً" من خلالها يلتقي الفكر بما يجبره على التفكير، خطوطاً تزعزع البنى المقيمة والتصورات المتوطنة، خطوطاً تعيد التنضيد في الإنغمار والدأب والإستمرار والمداومة وكأن للمفاهيم حياتها في الخلود الزمنيّ الذي هو إفتراضيّها أو لا تزنيها الذي يقوّض القبل والبعد ليقول التقاطع والإنشعاب والجمهرة والكثرة التي كثيراً ما أخضعها الواحد لسلطانه. إن التعاطي الدولوزي مع تاريخ الفلسفة هو تعاط أرخبيلي، فالذين كتب عنهم لا يجمعهم نسب ولا ترتبط بينهم هوية بل هم كالجزر متباعدون ومتآخون في نفس الآن، ولعل الرابط الوحيد بينهم، من هيوم إلى برغسون، مروراً بسبينوزا وليبنيز وكانط النقد الثالث ونيتشه، هو ما في كتاباتهم من مواربٍ ومباغتٍ وحيويٍّ ومتفرّدٍ وما فيها من إقتدارات تفتح المنظورات وتعمل كمسارح متحركة تفكك السكون وتنشر سينوغرافيا في فضاءات تعجّ بالأصوات والحركات، لا تنتظم نسقياً ولا تغفل عن مقاومة إمكان عودة الأنساق التشميلية. وإلى هذا؛ فإن إدخال المسرح إلى الفلسفة أو مسرحة الفلسفة في صيغة مستجدة هي صيغة الفرق والمعاودة؛ ذلك هو إمكان التفلسف الآخر حيث "يقابل مسرح المعاودة مسرح التصور مثلما تقابل الحركة المفهوم والتصور الذي يجعله إلى المفهوم"، وتلك واحدة من المآخذ على هيغل الذي "يصور مفاهيم بدلاً من مسرحة الأفكار". المسرحة هي ما يتآلف والأرخبيلي أو قل والجزُريَّ، ففي الجزيرة "ثمة صراع بين الأرض والسماء رهانه هو إما سجن أو تحرير كل العناصر، الجزيرة هي الحدّ أو هي موقع هذا الصراع ولذلك من المهم جداً معرفة أي الجانبين سترجّح وما إذا كانت قادرة على أن تصب في السماء نارها وأرضها ومياهها وأن تصبح هي ذاتها شمسية "تحرير العناصر أو حيوية الإسطقسات، ذلك هو الرهان الجزُريّ أو الأرخبيليّ الذي يتيح صيرورة الحركة بين يبوسة وأنوثة الأرض وبين سيولة وذكورة الماء، ويمكّن من اللعب الذي يكسر الثبات ويسرّع ويبطئ الإيقاعات التي تربك ثقل الدوغمائية وتفسد عليها جدية ما تظهر عليه من مزاعم الرصانة والمعقولية التي امتدت من الكنيسة إلى المحاكم وإلى الجامعات... هذه بإيجاز شديد بعض وجوه الإنشغال الفلسفي عند دولوز: التحول بالفلسفة من التاريخ إلى الزمن وإلى الجغرافيا، التحول من شجرة الميتافيزيقيا إلى الشعب والسباسب، الخروج عن سلطان الواحد إلى الكثرة والصيرورة والحدث والإلتقاء، التحول من ثقل الآلة النسقية إلى العلاقات الأرخبيلية والنواميس النقلية، العمل على خلخلة التصور وعلى مسرحة الفلسفة، تلطيف الإرتطام بــ"الجدار الأبيض" الذي هو جدار المسكوك الإجتماعي لإبداع الحياة كأسلوب. بالإضافة إلى ذلك بإستطاعة القارئ، ومن خلال هذا الكتاب متابعة، وبتأن، جملة آثار دولوز وشبكة المفاهيم التي أبدعها وحملة الإشكالات التي ذهب فيها بعيداً مثل: المسطّح والمحايثة والتعالي والخارج والتعبير والرغبة واللاوعي والهذيان الصحي والهذيان المرضّي والواقع والممكن والراهن والإفتراضي والسياسي والإتيقي وما يساوقها في الفلسفة والعلم والموسيقى والرسم والسينما. وإلى هذا، فإن الكثير من هذه المفاهيم والإشكالات سيجدها القارئ عاملة في هذا الأثر "الفرق والمعاودة".

Releases Date 2015
Category فلسفة / دراسة فلسفية
Edition 1
Cover Type Normal
ISBN 978-9933-351-43-5
#Pages 584
Available Volumes 1
Size 21*14