الأوحد وملكيته

$ 15

ألمانيا "الأربعينات" الحبلى بالأحلام والآمال المفرطة، المليئة بشعور الفترة المعبّر على أن الإرادة والحماسية كافيتان حتى يلوح العالم الجديد الذي كانت تحسّ بإختلاجه في أحشائها، ألمانيا الفتية التي غذّتها مذاهب هيغل لكن التي لم تعد تكفيها الإسكولائية المتحجرة للعلم، كانت ارتمت في المعمة الفلسفية والإجتماعية التي كان يتوجب أن تنتهي إلى عواصف 1848- 1849. وكانت تسارع للإنضواء تحت راية الراديكالية الإشتراكية، أو كانت تناضل حول برنيوبوير، فويرباخ واليسار الهيغلي، متخذة لها مراكز تجمّع من حوليات هال التي يديرها ريج وجريدة الراين التي يديرها الدكتور الشاب كارل ماركس. فوق هذا القاع المضطرب والمثقل بالتهديدات، حيث كل كتاب سلاح وحيث كل كلمة فعل وحيث يخرج الواحد في السجن ليغادر آخر إلى المنفى، كان مرور الشبح الباهت والظلّ الزائل للمفكر الكبير المنسي. هذا الرجل الصامت والكتوم الذي ليس له عواطف جيّاشة ولا روابط متينة في الحياة، الذي يتأمل بعين هادئة سريان الأحداث السياسية أمامه، أحياناً بإبتسامة رقيقة من وراء نظارتيه ذات الإطار الفولاذي، هو يوهان كاسبار شميدت والذي نشرفي 1842 و 1843 بعض المقالات في الفلسفة الإجتماعية تحت الإسم المستعار لماكس شتيرنر، سنة 1844 ظهر عند الناشر أتوفيفان في ليبزيغ كتابه "الأوحد وملكيته"، هذا الكتاب كان منتشر خفية عند الكتبين، وكان ممنوعاً من طرف الرقابة التي تخلت عن إدانته بعد بضعة أيام، مقدرة أنه تافه جداً حتى يمكنه أن يكون خطيراً"… الرفاق القدامى ابتعدوا، الكتاب نُسي والعزلة حدثت. وبداية: ما الأوحد الذي رمز إليه شتيرنر في عنوان كتابه هذا، هل الأوحد تصور جديد للأنا، المبدأ الجديد لمذهب جديد (تتمة لفلسفة فيشته مثلاً)؟ هكذا فهمه النقاد، فويرباخ، شليفا وهاس في عام 1845، كينو فيشار في عام 1847، هاجموا شتيرنر بتبنيهم وجهة النظر هذه، وتحدثوا، كلٌّ ورغبته، عن "أنا - مبدأ"، عن "أنانية مطلقة"، عن "عقيدة الأنانية"، عن "أنانية نسقية"، إلخ، جميعهم رأوا في الفرد فكرة، مبدأ أو مثلاً أعلى كان يواجه الإنسان. يجيبهم شتيريز: الأنا الذي تعكر فيه ليس إلا مجموعة من المحمولات، ويمكنك كذلك أن تدركه، أي أن تعرّفه وتميّزه عن مفاهيم أخرى مجاورة، لكنت أنت لست قابلاً للتعريف، أنت لست مفهوماً، ذلك أنه ليس لك أي مضمون منطقي، وإنني أتحدث عنك أنت الذي لا يمكن قولك وتفكُّرك، الأوحد لا يفعل غير أن يدلّ عليك مثلما يدلّ عليك الإسم الذي وهبوك إياه عند تعميدك دون أن نقول ما أنت؛ أن تقول إنك أوحد فذلك يعني أنك أنت؛ الأوحد ليس مفهوماً أو مصطلحاً إذ لا مضمون منطقي له: أنت مضمونة، "أنت "من" و"هو" الجملة. في الواقع، الأوحد هو أنت، أنت الذي عليه تتكسر مملكة الأفكار هذه، الأوحد ليس إلا جملة - وجملة خاوية، أي أنها ليست جملة حتى؛ لكن "هذه الجملة هي الصخرة التي تحتها سيُغلَقْ قبر عالم جملنا، هذا العالم الذي في بدايته كانت الكلمة". وبما أن الفرد ليس فكرة أواجه بها الإنسان فإن الأوحد ليس إلا أنت، "أنانيتك" ليست أبداً أمراً، واجباً أو قدراً، إنها جملة مثلها مثل الأوحد، "لكنها آخر الجمل الممكنة والمكرسة لوضع حدّ لسلطان الجُمل"، الأوحد إذاً هو بالنسبة إلى شتيرنر الأنا العنيد الذي لا يمكّن الفكر من الإستيلاء عليه وهو ينمو في ما دون أو في ما وراء الفكر المنطقي؛ إنه العدم المنطقي الذي تصدر عنه أفكاري ورغباتي وكأنها تصدر عن مصدر ثرّ… إن هذا الأنا العميق وغير العقلاني هو الذي قال عنه لاحقاً نيتشه "هكذا تكلم زرادشت": "وراء مشاعرك وأفكارك يا أخي يتخفّى سيّد قوي، حكيم مجهول اسمه عين الإنية (Le soi)، إنه يسكن جسمك بل هو جسمك، هي ذي العين الجارية التي جعلها شتيرنر تنبع من "الصخرة الصلبة" للفردية، وهذا هو الأساس الإيجابي والخصب لفكره. وأخيراً يمكن القول، من غير المجدي التوقف طويلاً غير تفاصيل فكر شتيرنر؛ قراءة بسيطة لكتابه هذا ستمكن القارئ من معرفتها بشكل أفضل من أيّ تحليل.

Releases Date 2016
Category فلسفة / فلسفة غربية
Edition 1
Cover Type Normal
ISBN 978-9933-351-53-3
#Pages 488
Available Volumes 1
Size 21*14