تأتي أهمية هذا الكتاب من أن المؤلف هو أحد المؤرخين القلائل المختصين بالتاريخ الليبي الحديث، وقد إطلع على السجل القومي الخاص بخطب القذافي، كما إطلع على مثير من الوثائق الأمريكية والبريطانية ووثائق الأمم المتحدة التي ساعدته على كشف أسرار الفترة التي تلت مباشرةً إنقلاب الأول من سبتمبر 1969، تلك الفترة المضطربة التي إنحرفت بقطار ليبيا عن مساره التاريخي السليم ليدخل في نفق طويل ما يزال يترنّح تائهاً في ظلامه حتى الآن. ويأتي الكتاب في سلسلة من الكتب التي حاول فيها الدكتور محمد يوسف المقريف أن يلقي الضوء على أسرار الظروف الدولية التي سبقت ورافقت وتبعت ذلك الإنقلاب. وبعد أن كشف في كتابه "إنقلاب بقيادة مخبر" عن الدور الأمريكي في قيام الإنقلاب، ودور أمريكا في نجاحه وإزالة المعوّقات أمامه، وفي كتابه "إنقلاب القذافي: الدور الإسرائيلي" عن الخلفية الإسرائيلية لهذا الإنقلاب، يعود هنا ويكشف لنا، من خلال المصادر والوثائق التي أرخت للإنقلاب، دور جمال عبد الناصر، ومن خلفه الراعي الأمريكي، في توفير الحماية للإنقلاب منذ اللحظات الأولى لقيامه، وتقديم الدعم اللانهائي وغير المشروط له؛ حتى إن كان ذلك على حساب إضعاف الجبهة الشرقية المصرية - الإسرائيلية بسحب ألوية كاملة منها وتوجيهها بإتجاه ليبيا، بل، والأغرب من ذلك، أن يتم هذا حين كان عبد الناصر لم يكن قد تأكد بعد من أسماء القائمين بالإنقلاب أو إتجاهاتهم السياسية أو نواياهم تجاه مصر أو العرب أو الوحدة العربية. هذا التأييد الناصري المطلق لحركة الإنقلاب عامة، وللقذافي خاصة، والذي إستمر حتى بعد إنكشاف عبد الناصر ورجاله الشخصية المهزوزة للقذافي وتصرفاته الصبيانية الغربية والمقلقة منذ الشهور الأولى للإنقلاب، يحاول المؤلف أن يجلو الغبار عنه من غير أن يتدخل كثيراً بإستنتاجاته أو تعليقاته، فحرص على أن يقدمه لنا من خلال الوثائق والمصادر المعتمدة التي خطتها أقلام شخصيات ليبية ومصرية وعربية وأمريكية وغيرها، عاشوا تلك الأحداث وأسهموا فيها، فكانت تلك الوثائق والنصوص والشهادات تأريخاً حقيقياً وصادقاً، ليس للمسرح الليبي ومجرياته في تلك الفترة فحسب، بل للمسرح العربي والدولي برمّته، وخلفياته وأسراره التي رسمت فيما بعد خريطة المنطقة العربية بألوانها وإتجاهاتها السياسية والعسكرية والفكرية.