المرآة الكبيرة

$ 6

"ظلت رشيدة لبرهة تجوب الباتيو جيئة وذهاباً تحت أشجار البرتقال. ثم دارت ودخلت إلى الصالون الكبير أغلقت كل الأبواب ورتجتها، وأسدلت الأستار حتى تصبح الغرفة معتمة جداً. أشعلت عدة شموع ووضعتها حول المرآة. تناولت قطعة من قماش نظيفة وبيضاء وبسطتها بعناية على أرضية الغرفة غير بعيد عن المرآة. وقفت أمام المرآة، وشرعت تقيس ملابسها المذهبة والمقصبة، القفاطين والزكادين، والجلابيب. جاءت بالوسائد ورصتها أمام المرآة، ثم استلقت فوقها على قفاها لتنظر إلى نفسها في إعجاب. كانت الملابس مبعثرة في كل مكان من الغرفة، وظلت تجلب ملابس أخرى. وقد قضت بقية النهار على هذا الحال. وعند الغسق، كان الضوء الوحيد ينبعث من الشموع. ارتدت عباءتها البيضاء، وجلست أمام المرآة، وشرعت تمشط شعرها، ثم نهضت وواصلت مشط شعرها، كان شعرها يصل إلى فخذيها، إلا أن جهته اليسرى بدت لها أطول من اليمين. تناولت شفرة طويلة ودون أن تحول عينيها عن المرآة قطعت قليلاً من أسفل شعرها، وتراجعت للتأمل عملها على نحو أفضل. بعدئذ قطبت حاجبيها وقطعت قليلاً من الجهة الأخرى ولم تستحسن عملها هذا ايضاً. وظلت تقطع خصلات صغيرة من شعرها، من هنا وهناك، محاولة أن تعيد إليه سحره السابق، أصيبت أخيرة بنوبة غضب شديد مما فعلته بنفسها، فشرعت تقص شعرها بضربات متوالية من كل الجهات، وكان يسقط بكمية كبيرة على أرضية الغرفة. أصبحت رشيدة تشبه شاة مجزوزة بعد قطع شعرها. حدقت في صورتها على المرآة، وتناولت شفرة أخرى من فوق الطاولة. نظرة إلى وجهها في المرآة، وهي تحمل في كل يد شفرة، وأحدثت جرحاً بليغاً في كل خد. وعندما شاهدت الدم ينبثق من اللحم الأبيض أطلقت صرخة طويلة تعبيراً عن البهجة. ركزت نظرها في الصورة التي تعكسها المرآة، ثم أحدثت عدة جروح بليغة في وجهها. سال دم كثير، فانفجرت ضحكاً مبتهجة بالنصر.. فواصلت شق وجهها وحنجرتها. سقطت قطع من اللحم من خديها". كان اللقاء شبيهاً بالرؤيا، وبالرغم من ذلك سكنت تلك الفاتنة ذاكرة محمد المرابط، فكانت الخيال الملهم لإبداعه من "المرآة الكبيرة".

Releases Date 2003
Category أدب / روايات
Edition 1
Cover Type Normal
ISBN 978-3-89930-259-2
#Pages 110
Available Volumes 1
Size 21*14