أثارت موجة كورونا، التي اجتاحت العالم منذ بداية عام 2020، حالة ارتباك وقلق عالميين ربما لم يعرفهما العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وإذا كانت رائحة الموت ومشاعر الخوف والقلق في تلك الحرب قد ملأت قارتي أوروبا وآسيا وجزءًا من أفريفيا على الأقل، فإن هذه الرائحة أو تلك المشاعر في أثناء جائحة كورونا كادت تدخل كل شارع وكل بيت في العالم بأسره، ولم يقتصر الحظر على مناطق القتال والاحتلال كما في تلك الحرب، بل بات كل إنسان عرضة للحظر، حتى تجاه أفراد أسرته، إذا ما أصيب بفيروس كورونا. وامتدت مظاهر العزلة إلى كل المجتمعات، فأقفلت المؤسسات، وندرت التجمعات، وصار التواصل من بُعد سيّد الموقف، فتراجع الأداء على مختلف الصعد، التعليمية والإنتاجية والصحية والخدمية… والسياسية، فانكشفت النماذج الكبرى في الحكم والإدارة والإنتاج والسياسات الاجتماعية والأمن الصحي والتعاون الدولي والتكامل العولمي. وراحت تُطرح الأسئلة حول الدولة الوطنية والليبرالية والرأسمالية والعولمة والثقافة، وحول مستقبل العالم ما بعد جائحة كورونا. كثيرة الأزمات التي برزت في العالم في ظل كورونا، الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية والغذائية والصحية. لكن هذه الأزمات تباينت في حجمها وتأثيرها بين مجتمع وآخر وبين دولة وأخرى، كما تباينت ردود الفعل عليها من جانب حكومات ونخب سياسية وشعوب وقطاعات إنتاجية وأهلية وثقافية عكست اختلافًا لدى الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافات المختلفة في ردود فعلها وطرائق تعاملها مع أزمات كهذه ومع التهديدات الكبرى. يقدم هذا الكتاب، الذي ساهم فيه نخبة من المفكرين والباحثين العرب، قراءات متعددة المقاربات البحثية ومختلفة الحقول المعرفية لظاهرة كورونا في العالم، وهو يجمع بين دفتيه ثماني عشرة دراسة، تغطي مختلف أبعاد الجائحة وآثارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على المستويين الدولي والإقليمي، كما تغطي علاقة هذه الظاهرة بأزمة النظام العالمي والنماذج الفلسفية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تحكمه. يتضمن الكتاب ثمانية عشر فصلًا موزعة على أربعة أقسام، فضلاً عن المقدمة والفهرس.