يحتوي هذا الكتاب على تحقيق للرسالة البغدادية، التي دونها أبي حيان علي بن محمد التوحيدي، وقصرها على الحديث على بغداد، فهي -كمال يقال- تكشف عن أخلاق البغداديين، على تباين طبقاتهم، وكالأنموذج المأخوذ عن عاداتهم، وجعل هذه الرسالة مشتملة على "حكاية مقدرة على أحوال يوم واحد، من أوّله إلى آخره"، تحدث فيها عن رجل بغدادي، دخل إلى دار في أصبهان، وقت الضحى، فقضى فيها نهاره وليله، وغادر في صباح اليوم التالي، واتخذ من المقارنة بين أصبهان وبغداد، في المكان والمكين، وسيلة للحديث عن بغداد، فامتدح طيب هوائها، وأثنى على تأنق البغداديين، في لباسهم، ومساكنهم، وعطورهم، وموائدهم، وفي بجالس شرابهم وغنائهم، وهو لا يترك فصلاً من هذه الفصول غلى غيره، إلا بعد أن يتبسط فيه تبسطاً على عمق في المعرفة، ويرسم فيه لوحة مبدعة، وهو إذا تحدّث، ذكر مواطن المتعة والسرور فيها. وتحدث عن "دجلة" المشحونة بالمراكب والزوارق، المحفوفة بالقصور والجواسق، ترتفع ما بينها أصوات الأغاني، وزعقات المؤذنين، ترى كمالاً وجمالاً، وإذا تحدّث عن تأنق البغداديين في اللباس، ذكر ما يرتدون من الثياب والقصب... وإذا تحدث عن مساكنهم، وصف "سقوفها المغطاة بالسياج، والمزينة تعاريجها بالأنبوس" وإذا تحدّث عما في باطن البيوت من الرياش، حدثك عن "الزلالي المغربية" والتنافس الحرشفية..." وإذا تحدث عن العطر الذي يتعطر به البغداديون، ذكر المثلثة البرمكية، وهكذا إلى أن يصل إلى ذكر الفواكه، التي يطعهما، ويصف مجالس السرور والمرح عندهم. وأضاف الزجاج في مجالسهم، وما يتناولونه من الخمور، من عراقية، وسورية، وبابلية.." ثم ينتقل غلى وصف الجواري البغداديات "من مغنيات وكراعات وزامرات، وطبالات.." ويصف كيفية حضور المغنية، وما تلبس، ثم يتحدث عن نوادر الجواري وأقاصيصهن، وعما يصيب المعجبين بهنّ، من فضلاء ووجهاء وقضاة، عند سماعهم الغناء، ثم اثبت إحصاءً قام به جماعة من أهل الكرخ من السنة 360 للمغنيات والمغنين في بغداد~، فذكر أنهم أحصوا أربعمائة وستين جارية وفي الجانبين... وهو في كل فصل من فصول الرسالة، إذا أتم حديثاً عن بغداد، عاد فقارن دلك بما يقابله في أصبهان، وأسرف في ذمّ أهلها، واقتحم ضمن هذه الفصول فصلاً عن الخيل العربي في بغداد، وما قيل فيها، وفصلاً عن الشطرنج، ثم تحدث عن أوضاع تعلمها في السباحة، من أستاذي سباحة في بغداد، وأتبعه بفصل تحدث فيه عن الملاّحين، وأورد بعض ألفاظهم.