في مجموعته القصصية هذه، يسلط القاص أيمن الدبوسي الضوء على العلاقة بين الطبيب والمريض، فهي العمود الفقري لمعظم حكاياته، ولكنها علاقة بعيدة عن مدارات الوجع العضوي، بل النفسي، ولهذا يأخذ قارئه إلى المستشفى للأمراض العصبية ويشاركه في تحليل تصرفات المرضى نفسياً، فيجمع بين دور الراوي الذي يروي الحدث والمعالج معاً، في محاولة لفهم ماهية المرض النفسي، وأسبابه، وإن جاء بأسلوب إنتقادي ساخر يدركه المتلقي عبر أفكار ومواقف أليمة يتم التعبير عنها عبر رؤية خاصة، تستمد وقعها من الطبيعة المعقدة للكائن البشري..... > ولعل قراءة المقدمة التي يفتتح بها السارد العمل تفضح الكثير عما أراد قوله الدبوس من تظهير حالات مرضية نفسية تعكس ثقافته وربما تجربته وإهتمامه بهذه الفئة لأسباب إنسانية" يقول الدبوسي في مفتتح عمله: "... شخصياً لم أقابل منهم إلا القليلين جداً، في المقابل فإن هناك الكثير من البؤساء، هناك أناسٌ جائعون، وأناس عراة، ومدمنون، وآخرون فارون من جحيم العمل والعائلة والزواج... والجنون... المكان موحش ويبعث على الإكتئاب، وتنبعث من أقسامه رائحة تبغ محلول في... منذ قليل قابلت محمد علي، شاب فصامي كان يبتسم لي كلّما رآني... إبتسامة محمد شيء يستحق أن يواصل المرءُ العمل لأجله في مستشفى الرازي... إنها إبتسامة فصامية، وحين يبتسم الفصامي، فكأنما فجر ينبلج أو وليد يفتح عينيه لأول مرة...". يضم الكتاب قصص قصيرة جاءت تحت العناوين الآتية: "الرجل الأخضر"، "إنه البكاء"، "مرفوع القلم"، "فنون قتالية"، "المباراة"، "إنحراف"، "إرتباك"، "عالم مقلوب"... وقصص أخرى. "أعمل في مُستشفى الرّازي وهذا أمر سيئٌ للغاية، هنا، لا يوجد مجانين، إنّهم آخر شيء تتوقّع العثور عليه في هذا المكان. شخصيّاً لم أقابل منهم إلا القليلين جدّاً، في المقابل فإنّ هنالك الكثير من البؤساء، هناك أناسٌ جائعون، وأُناس عراة، ومدمنون، وآخرون فارّون من جحيم العمل والعائلة والزّواج... والجنون. المكان موحش ويبعث على الإكتئاب، وتنبعث من أقسامه رائحة تبغ محلول في البول، وإن كان للمرض النفسيّ من "رائحة"، فتأكّد أنّها حتماً ما ينبعث من أعقاب السّجائر المنقوعة في البول. منذ قليل قابلتُ مُحمّد علي، شابّ فُصاميّ كان يبتسم لي كلّما رآني، إبتسامة محمّد شيء يستحقّ أن يواصل المَرْءُ العمل لأجله في مستشفى الرّازي، إنّها إبتسامة فصاميّة، وحين يبتسم الفُصاميّ، فكأنّما فجر ينبلج أو وليد يفتح عينيه لأوّل مرّة".