برزت في القرن الثالث الميلادي فلسفة أفلوطين (205 م 270 م)، فبلغت بذلك الفلسفة القديمة أوجها، لأنها استطاعت أن تمزج في وضع بديع الفلسفة الموروثة من مختلف المدارس اليونانية الأفلاطونية منها والمشائية، وكذلك الرواقية الرواقية والأبيقورية، مع كل التراث العقلي والديني للعالم القديم ذي الأصول الفارسية والهندية وغيرهما من الحضارات السابقة. وحينما أتى الدور على الإسلام بدءا من القرن السابع الميلادي، لقيادة العالم فكريا، كان عليه أن ينطلق من الأعمال تلك التى بدأها أفلوطين واستمرت على يد الفلاسفة الأفلاطونيين المحدثين، والتي توجها بروكلوس (412 م 485 م) في نسق عقلي فلسفي ومع ذلك كذلك ثيولوجي محكم البناء. وهكذا ومنذ أول فيل س في الإسلام أي ابي إسحاق الكندي ذلك الذي عاش في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، كان على الفلاسفة المسلمين التعامل مع ذلك الوضع الفلسفي الخصب، ذلك الذي يعتبر مزيجا بين أفكار وآراء وأنساق فلسفية متعارضة. ورغم أن فلسفتي الفيلسوفين الأولين الكندي والفارابي كانتا متشابهتين من ناحية الأسس المعرفية تلك التى بنيت عليها فلسفتهما، إلا أن العمل ذلك الذي قام به الفارابي على مستوى نشر المنطق الأرسطي في الإسلام استحق على أثره أن ينال لقب المعلم الثاني بعد أرسطو جعل الفلسفة الإسلامية تأخذ منحى حديثا مع فلسفة الشيخ الرئيس ابن سينا ذلك الذي وإن كان على دراية كبيرة بفلسفة أرسطو، إلا أنه اختط لنفسه طريقا حديثا يقوم على الإشراق الصوفي أو الحكمة المشرقية كما سماها الشيخ الرئيس. وانطلاقا من عمل الشيخ الرئيس انقسم الفلاسفة المسلمون إلى فئتين، الفئة تلك التى وجدت في المنطق والعلم الطبيعي وما بعد الطبيعة لأرسطو ضالتها، وهي فئة الفلاسفة الأرسطيين الذين اعتبروا أن الوصول إلى الحق في الفلسفة، يتأتى بواسطة إتباع الخط ذلك الذي رسم معالمه الأولى أرسطو، وهي الفلسفة تلك التى نمت وترعرعت في الغرب الإسلامي بواسطة فلاسفة تلك المنطقة خصوصا ابن باجة وابن رشد. والخط الثاني ذلك الذي نهل من فلسفة الشيخ الرئيس ابن سينا وقدم لنا أجيالا من الفلاسفة خصوصا في بلاد فارس، وهو التيار الفلسفي المستمر إلى اليوم في إيران بالخصوص، وبطبيعة الحال، من بين أهم الفلاسفة المنتمين لهذا التيار نجد الفيل س الكبير صدر الدين الشيرازي ذلك الذي خصص له الأستاذ الباحث عبد المالك بنعثو ذلك الكتاب.